سورة البقرة - تفسير تفسير البيضاوي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (البقرة)


        


{قَالُواْ أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السفهاء} الهمزة فيه للإنكار، واللام مشار بها إلى الناس، أو الجنس بأسره وهم مندرجون فيه على زعمهم، وإنما سَفَّهُوهُم لاعتقادهم فساد رأيهم، أو لتحقير شأنهم، فإن أكثر المؤمنين كانوا فقراء ومنهم موالي: كصهيب وبلال، أو للتجلد وعدم المبالاة بمن آمن منهم إن فسر الناس بعبد الله بن سلام وأشياعه. والسفه: خفة وسخافة رأي يقتضيهما نقصان العقل، والحلم يقابله.
{أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السفهاء ولكن لاَّ يَعْلَمُونَ} رد ومبالغة في تجهيلهم، فإن الجاهل بجهله الجازم على خلاف ما هو الواقع أعظم ضلالة وأتم جهالة من المتوقف المعترف بجهله، فإنه ربما يعذر وتنفعه الآيات والنذر، وإنما فصلت الآية ب {لاَّ يَعْلَمُونَ} والتي قبلها ب {لاَّ يَشْعُرُونَ} لأنه أكثر طباقاً لذكر السفه، ولأن الوقوف على أمر الدين والتمييز بين الحق والباطل مما يفتقر إلى نظر وفكر. وأما النفاق وما فيه من الفتن والفساد فإنما يدرك بأدنى تفطن وتأمل فيما يُشَاهد من أقوالهم وأفعالهم.


{وَإِذَا لَقُواْ الذين ءامَنُواْ قَالُوا ءامَنَّا} بيان لمعاملتهم المؤمنين والكفار، وما صدرت به القصة فمساقه لبيان مذهبهم وتمهيد نفاقهم فليس بتكرير. روي أن ابن أبيّ وأصحابه استقبلهم نفر من الصحابة، فقال لقومه: انظروا كيف أرد هؤلاء السفهاء عنكم، فأخذ بيد أبي بكر رضي الله عنه فقال: مرحباً بالصديق سيد بني تيم، وشيخ الإسلام وثاني رسول الله في الغار الباذل نفسه وماله لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم أخذ بيد عمر رضي الله عنه فقال: مرحباً بسيد بني عدي الفاروق القوي في دينه، الباذل نفسه وماله لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم أخذ بيد علي رضي الله عنه فقال: مرحباً بابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وختنه سيد بني هاشم، ما خلا رسول الله صلى الله عليه وسلم. فنزلت. واللقاء المصادفة يقال؛ لقيته ولاقيته، إذا صادفته واستقبلته، ومنه ألقيته إذا طرحته فإنك بطرحه جعلته بحيث يلقى.
{وَإِذَا خَلَوْاْ إلى شياطينهم} من خلوت بفلان وإليه إذا انفردت معه. أو من خلاك ذَمٌّ أي عداك ومضى عنك، ومنه القرون الخالية. أو من خلوت به إذا سخرت منه، وعدي بإلى لتضمن معنى الإنهاء، والمراد بشياطينهم الذين ماثلوا الشيطان في تمردهم، وهم المظهرون كفرهم، وإضافتهم إليهم للمشاركة في الكفر. أو كبار المنافقين والقائلون صغارهم. وجعل سيبويه نونه تارة أصلية على أنه من شطن إذا بعد فإنه بعيد عن الصلاح، ويشهد له قولهم: تشيطن. وأخرى زائدة على أنه من شاط إذا بطل، ومن أسمائه الباطل.
{قَالُواْ إِنَّا مَعَكُمْ} أي في الدين والاعتقاد، خاطبوا المؤمنين بالجملة الفعلية، والشياطين بالجملة الإسمية المؤكدة بإن لأنهم قصدوا بالأولى دعوى إحداث الإيمان، وبالثانية تحقيق ثباتهم على ما كانوا عليه، ولأنه لم يكن لهم باعث من عقيدة وصدق رغبة فيما خاطبوا به المؤمنين، ولا توقع رواج ادعاء الكمال في الإيمان على المؤمنين من المهاجرين والأنصار بخلاف ما قالوه مع الكفار.
{إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِءونَ} تأكيد لما قبله، لأن المستهزئ بالشيء المستخف به مُصِرٌّ على خلافه. أو بدل منه لأن من حقر الإسلام فقد عظم الكفر. أو استئناف فكأن الشياطين قالوا لهم لما {قالوا إنا معكم} إن صح ذلك فما بالكم توافقون المؤمنين وتدعون الإيمان فأجابوا بذلك. والاستهزاء السخرية والاستخفاف يقال: هزئت واستهزأت بمعنى كأجبت واستجبت، وأصله الخفة من الهزء وهو القتل السريع يقال: هزأ فلان إذا مات على مكانه، وناقته تهزأ به أي تسرع وتخف.


{الله يَسْتَهْزِئ بِهِمْ} يجازيهم على استهزائهم، سمي جزاء الاستهزاء باسمه كما سمي جزاء السيئة سيئة، إما لمقابلة اللفظ باللفظ، أو لكونه مماثلاً له في القدر، أو يرجع وبال الاستهزاء عليهم فيكون كالمستهزئ بهم، أو ينزل بهم الحقارة والهوان الذي هو لازم الاستهزاء، أو الغرض منه، أو يعاملهم معاملة المستهزئ: أما في الدنيا فبإجراء أحكام المسلمين عليهم، واستدراجهم بالإمهال والزيادة في النعمة على التمادي في الطغيان، وأما في الآخرة: فبأن يفتح لهم وهم في النار باباً إلى الجنة فيسرعون نحوه، فإذا صاروا إليه سد عليهم الباب، وذلك قوله تعالى: {فاليوم الذين ءامَنُواْ مِنَ الكفار يَضْحَكُونَ} وإنما استؤنف به ولم يعطف ليدل على أن الله تعالى تولى مجازاتهم، ولم يحوج المؤمنين إلى أن يعارضوهم، وأنَّ استهزاءهم لا يؤبه به في مقابلة ما يفعل الله تعالى بهم ولعله لم يقل: الله مستهزئ بهم ليطابق قولهم، إيماء بأن الاستهزاء يحدث حالاً فحالاً ويتجدد حيناً بعد حين، وهكذا كانت نكايات الله فيهم كما قال تعالى: {أَوَلاَ يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِى كُلّ عَامٍ مَّرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ} {وَيَمُدُّهُمْ فِي طغيانهم يَعْمَهُونَ} من مد الجيش وأمده إذا زاده وقواه، ومنه مددت السراج والأرض إذا استصلحتهما بالزيت والسماد، لا من المد في العمر فإنه يعدى باللام كأملى له. ويدل عليه قراءة ابن كثير: {ويمدهم}. والمعتزلة لما تعذر عليهم إجراء الكلام على ظاهره قالوا: لما منعهم الله تعالى ألطافة التي يمنحها المؤمنين وخذلهم بسبب كفرهم وإصرارهم، وسدهم طرق التوفيق على أنفسهم فتزايدت بسببه قلوبهم ريناً وظلمة، تزايد قلوب المؤمنين انشراحاً ونوراً، وأمكن الشيطان من إغوائهم فزادهم طغياناً، أُسْنِدَ ذلك إلى الله تعالى إسناد الفعل إلى المسبب مجازاً، وأضاف الطغيان إليهم لئلا يتوهم أن إسناد الفعل إليه على الحقيقة، ومصداق ذلك أنه لما أسند المد إلى الشياطين أطلق الغي وقال: {وإخوانهم يَمُدُّونَهُمْ فِى الغى} أو أصله يمد لهم بمعنى يملي لهم ويمد في أعمارهم كي يتنبهوا ويطيعوا، فما زادوا إلا طغياناً وعمهاً، فحذفت اللام وعدى الفعل بنفسه كما في قوله تعالى: {واختار موسى قَوْمَهُ} أو التقدير يمدهم استصلاحاً، وهم مع ذلك يعمهون في طغيانهم. والطغيان بالضم والكسر كلقيان، والطغيان: تجاوز الحد في العتو، والغلو في الكفر، وأصله تجاوز الشيء عن مكانه قال تعالى: {إِنَّا لَمَّا طغى الماء حملناكم} والعمه في البصيرة كالعمى في البصر، وهو: التحير في الأمر يقال رجل عامه وعمه، وأرض عمهاء لا منار بها، قال:
أَعْمَى الهُدَى بالجاهِلين العمهْ ***

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8